وهم العملات الورقية وواقع البيتكوين
لطالما كانت شبكة البيتكوين في بداياتها محل سخرية وازدراء، ولكنها اليوم أصبحت قوة مالية بارزة على مستوى العالم، ويعود ذلك جزئياً إلى تراجع قيمة العملات الورقية.
فالعملات الورقية هي وسيلة تبادل، لا تعتمد قيمتها على أسس داخلية كالطاقة أو التشفير أو السلع، بل تستمد قيمتها فقط من السلطة والقرارات التي تصدرها الجهات الحاكمة، مثل الحكومات المركزية أو البنوك المركزية.
من جهة أخرى، فلا يمكن الوثوق بالعملة الورقية، لأنها تمثل انتصار القوة التعسفية على القيمة العقلانية. فهي عبارة عن بناء صناعي، مفصول عن الواقع الموضوعي للإنتاج والتجارة.
إضافة إلى أن قيمتها لا تُحدد من الثروات الملموسة التي تمثلها، بل من أوامر الحكومات والبنوك المركزية، التي يمكنها إضعافها حسب إرادتها لخدمة أغراضها الخاصة. وهذا هو الحال لقرون، منذ بداية نشوء العملات الورقية.
تحقيق التوازن من خلال الابتكار المدروس
تستمد عملة البيتكوين قيمتها من فائدتها (مثل الذهب)، حيث يعترف بها الأفراد العقلانيون. كما أن قيمتها ليست جوهرية، بل تنبع من الخصائص التي تمتلكها والأغراض التي تخدمها.
وعلى الرغم أن عناصر مثل مقاومة الرقابة والندرة تعزز من قيمتها، إلا أن طبيعة فائدتها تختلف جوهرياً عن الذهب، إذ إنها ليست مادية بل رقمية، وهي ابتكار يتناسب بشكل فريد مع العصر التكنولوجي الذي تم إنشاؤها فيه.
من ناحية أخرى، يعتقد العديد من المؤيدين، (الذين كرّسوا أكثر من عقد من حياتهم للترويج للبيتكوين) أن قيمتها متجذرة في الخصائص الموضوعية، التي تجعلها فعّالة كوسيلة للتبادل وكمخزن للقيمة في سوق طوعي.
حيث يتم تحقيق العرض المحدود، من خلال البروتوكول التشفيري الذي يحدد عدد البيتكوينات، مما يعكس ندرة الذهب. كما أن قابليتها للتقسيم والنقل، تجعلها مريحة بشكل خاص في الاقتصاد الرقمي والعالمي.
إلا أن مسار البيتكوين لازال يعتمد على التغلب على مشكلة التوسع المستمر في الشبكة، بالرغم من تفوقها كمخزن آمن للثروة، حيث أن إمكانياتها غير المحققة كنظام نقدي إلكتروني، لا تزال تمثل تحدياً.
كما أن تحقيق هذا التوازن، سيتطلب ابتكاراً مدروساً ضمن البروتوكول، لاستيعاب الاقتصاد العالمي دون المساس باللامركزية.
بدورهم يؤكد العديد من عشاق البيتكوين، أن تحسين الوظائف على السلسلة، هو أمر أساسي لتمكين المعاملات السريعة والملائمة من حيث التكلفة، بالنسبة لمليارات من الأشخاص حول العالم.
اقرأ أيضاً: تقرير: الاقتصادات ذات النمو السريع تقود تنظيم العملات الرقمية
ويمكن القول أخيراً، أنه وعلى الرغم من أن الاهتمام المؤسسي والتأييد من شخصيات مثل دونالد ترامب، قد عزز من سمعة البيتكوين في الآونة الأخيرة، إلا أن معالجة هذه الحاجة الحاسمة، ستمكنها من تحقيق هدفها الأساسي، وتوطيد دورها في تطور المال.